المراهقة و مفهوم الدين

تتميز مرحلة المراهقة بالعديد من الأزمات, أهمها أزمة إثارة تساؤل: من أنا؟ أو أزمة الهوية, وهذا التساؤل (اللغز) يؤدي إلى اهتزاز العديد من المفاهيم والمسلمات التي كان المراهق يعتقد فيها من قبل.
ولعل من أهم التساؤلات التي تثور في مرحلة المراهقة هي المراجعة الدينية لدرجة التشكيك في الكثير من القضايا الدينية عكس أيام ما كان طفلاً؛ إذ كان يتقبل الاتجاهات الدينية في أسرته ومجتمعه بل ويمارس (طقوس) الدين دون الدخول في تساؤلات أو البحث عن المعاني الكامنة والظاهرة خلف العبادات. ولعل إثارة التساؤلات المرتبطة بالدين يرجعها بعض علماء النفس إلى طبيعة نمو الذكاء والقدرات والاستعدادات والميول لدى المراهق, وما يرتبط بذلك من نمو القدرة على الفهم والاستنتاج والاستدعاء والتعرف والتذكر.... وغيرها من القدرات العقلية.

مشاكل الشباب الدينية
تثور العديد من التساؤلات المرتبطة بالدين، ولعل أهم التساؤلات التي يذكرها الشباب والمتعلقة بالدين الآتي:
الحيرة بخصوص الحياة والموت وما بعدهما.
الخوف من الموت.
عدم معرفة المعايير التي تحدد الحلال والحرام والصواب والخطأ.
القلق بخصوص التعصب الديني.
التطرف الديني.
الصراع ما بين المحافظة والتحرر.
ويتبلور الموقف من الدين في مجالين:
الأول: فئة ترى أن الإنسان لا حاجة به إلى الدين, مستندين في ذلك إلى مجموعة من الأفكار والاتجاهات، وهذه الفئة ترى أن العقل كفاية، ومن خلاله يستطيع الشخص أن يدبر كافة أمور حياته.
الثاني: حيث يسلم أصحاب هذه الفئة بأن الدين نزعة وغريزة فطرية موجودة لدى كل إنسان (حتى وإن كان يدعي أنه غير متدين), مستندين إلى مجموعة من الأدلة هي:
أ) أن الإنسان وحده هو الذي يمكن أن يكون له دين، وأن الحيوانات تفتقر إلى الدين بمقدار ما تفتقر إلى القانون والأخلاق.
ب) أن الدين هدف حياتي ونفسي وضرورة اجتماعية لدى الإنسان.
مساعدة الدين للإنسان في البحث عن الكمال، بل ويعطي للأشياء معنى.
تنظيم الدين للناس وأمور حياتهم، بل ويكون دعماً نفسياً للأفراد حين تغلق دونهم السبل, مثل الإصابة بالأمراض العضال وعجز الطب عن فعل أي شيء، ولا شيء إلا الأمل بالله والتمسك برحمته.
أنماط التدين لدى المراهقين
يمكن حصر موقف المراهق من الدين - من خلال الدراسات والخبرة الإكلينيكية - في الأنواع الآتية:
فئة من المراهقين لا تلتزم بقواعد الدين، أو بتأدية طقوسه، ولكن لا يمكن أن نضع هذه الفئة في فئة الإلحاد لأنهم (مسلمون أو مسيحيون... إلخ) بالنشأة والميلاد فقط.
فئة من المراهقين تلتزم بأداء بعض العبادات الدينية في بعض المناسبات فقط (صلاة الجمعة) أو الذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد، وهؤلاء يراعون أن الآخرين يراقبونهم، فيقدمون صورة جميلة عنهم.
فئة من المراهقين تلتزم حرفياً بأداء العبادات والطقوس دون أن يتأثر جوهره بذلك، ولذا لا مانع من أن يهرع لأداء العبادات الدينية، ولا مانع في نفس الوقت أن يكذب أو يدلس في البيع... إلخ.
فئة من المراهقين تلتزم بالعبادات الدينية إلى حد التطرف، ولذا فإننا نجد أصحاب مثل هذه الفئة تكون لديهم قائمة الحلال والمباح أقل بكثير من قائمة الممنوع والحرام.
فئة من المراهقين تلتزم بعبادات الدين بوسطية, بمعنى أنها معتدلة في كل شيء، وتتحرى السلوك القويم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً, وهؤلاء يركزون على روح وجوهر الدين وليس الالتزام الحرفي فقط.
فئة من المراهقين غير متدينة, ولا تكتفي هذه الفئة بذلك، بل قد تناصب كل من هو متدين العداء والسخرية، بل ويتشككون في الكثير من أصول وقواعد الدين.
وتعود أسباب هذا التنوع إلى اختلاف أساليب التنشئة الاجتماعية، وإلى وظيفة المؤسسات الاجتماعية -بكافة صورها وأشكالها- في تقديم نماذج وأساليب سوية تساعد على نضج ونمو العاطفة الفطرية الموجودة لدى أي شخص تجاه الدين.